القراءة الفعالة

مصطلح جديد أخذ يتردد على أسماعنا في الآونة الأخيرة، وبخاصة بين أوساط التربويين، الذين ينادون بتعليم ذي معنى، يتفاعل فيه المتعلم مع المثيرات المختلفة التي يتعرض لها.

وإذا اقتربنا من الواقع، فإننا سندرك بأن ذلك المصطلح ليس جديداً على ممارساتنا التربوية اليومية في أروقة الصفوف الدراسية، إذ إنّ جلاًّ من معلمينا الأكفاء يمارسون أدواراً حاضّة حين يدفعون المتعلم إلى قراءة سطور النص، وما بين سطوره، وما وراءها، نعم، فالقراءة الفعالة تعني الاستفادة بأكبر قدر ممكن من المادة المقروءة، كما تعني استثمار طاقات المتعلم الإدراكية والفكرية كلها في عمليات التمحيص، والتحليل، والموازنة، والنقد، فتحليل النص المقروء، وتمييز مواطن ضعفه أو قوته، وما يتضمنه من معلومات، واستنباط مراميه، وما يهدف إليه من اتجاهات وقيم، تدخل كلها في عمليات الإدراك والفهم.

وعليه فإن معلمنا الكريم الحاذق هو من يربي أبناءه على مهارة (الاستبطان) استبطان الأمور، والغوص في المغازي، وإدراك العلاقات، والربط بين الأجزاء، وسبر المعاني غير الظاهرة، ويدرب متعلميه على توظيف ما اكتسبوه من خبرات في مواقف الحياة المختلفة، وربط التعلم بالحياة.

وإذا علمنا أن تلك المهارات مكتسبة، صار لزاماً علينا أن نحرص على تحقيقها بكل ما أوتينا من سبل إنّ العلاقة الأزلية بين الفكر واللغة تستوجب قلب الموازين، وإنعام النظر في معالجاتنا للنصوص القرائية، لنبحر بثقة إلى عالم الفهم والإدراك، فليس إتقان القراءة هو هدفنا الأسمى، إنما اتخاذها مطية الفهم هو ما نرمي إليه، إذ يتوجب أن نربي أبناءنا على فهم المادة المقروءة، وتطوير ذلك الفهم، بإضافة أفكار جديدة، وتطوير تلك الأفكار، ونسفها ومعارضتها في أحيان كثيرة، ونقدها، وإظهار محاسنها ومواطن عيوبها بأدلة وحجج مقنعة، وإعادة عرضها بأسلوب مغاير ومختلف، وتضمينها آراء منطقية، وعدم الوقوف عند حدود ما، بل عدّ النص القرائي محوراً ينطلق منه المتعلم إلى آفاق أرحب تتصل بتطوير النص، وتحليله، وتوظيف ماجاء فيه مع مراعاة الزمن والمقام.

إن تنمية قوة الملاحظة، وتربية الحس النقدي، وتطوير الأفكار الإبداعية، وتعزيز المبادرات، وفتح الباب أمام الحوار والتعليق، والرفض والقبول، والتعليل والتفسير، والتخيل والتنبؤ، والكشف والتدليل، هي من أهم المهام التي يتحملها المعلم إذا ما قرر أن يكون تعليمه ذا معنى.

وفروع مادة اللغة العربية ساحة رحبة لتحقيق ذلك، ففي حصص القراءة النثرية والشعرية والقراءات الأدبية، يستطيع المعلم أن يتجاوز حدود المفردات والمعاني الظاهرة، ويدفع المتعلم إلى كشف البواطن بأسئلة سابرة، ومواقف وأمثلة، كما يستطيع أن يقدم مشكلة احتواها النص، ويطلب من المتعلمين التوصل إلى حلها، وليعمد دائماً إلى الأسئلة المفتوحة التي لا تتطلب حدوداً وأسواراً، كما يمكنه أن يطلب من المتعلم اقتراح بدائل وحلول لمواقف ما وليكثر من الأسئلة الدافعة للتفكير من مثل:



ماذا لو

كيف يكون

لو كنت مكانه ماذا كنت تفعل؟

علل السلوك ...

اقترح بديل

هات رأي

ما وجهة نظرك في ...؟ ولماذا؟

لم تؤيد الرأي ...؟

ما أسباب رفضك؟

كيف تستطيع أن تطور الفكرة الآتية ... (تشتق أفكاراً جديدة) ... (أو تضيف إلى الفكرة)

يرى الشاعر الرأي .... في قضية ...، ويرى زميله رأياً مغايراً وهو .....، فإلى أيهما تميل؟ ولماذا؟ هل بإمكانك عرض رأي يعارض رأييهما؟...

اقترح مقدمة أخرى ...

اقترح نهاية مغايرة ....

استبدل أحداث جديدة بأحداث القصة .....



وفي دروس التعبير الشفوي أطلق لأفكارهم ولآرائهم العنان، لا تعارض رأياً أبداً وإن خالف رأيك أو رأي المجموعة، لكن إذا تجاوز رأي المتعلم الأعراف والأديان، فاطلب منه تقديم الشواهد، والبحث عن المسوغات، ودعه يوثّق ما يقول بالأدلة والبراهين، فهذا يدفعه إلى البحث، ويمنحه قدراً من الحرية تحقق له تعلماً ممتعاً.

كما لا تذيل المقالات بعبارات سلبية أو مؤذية، بل شجع الإبداعات وإن كانت متواضعة، وأرشد المتعلم إلى كيفية صقل موهبته، وتطوير قدراته، وشجعه على الكتابة في أي موضوع، ونشر المقالات في الصحافة المدرسية، أو في الجرائد والمجلات، أو عبر إذاعة المدرسة، أو على الشبكة العالمية للمعلومات.

وتذكر أنك ميسر، ولست حجر عثرة، وأن المتعلمين لن ينسوا فضلك أبداً.