تطورت مناهج العلوم بشكل واضح خلال العقود الخمسة الماضية من طرح المعارف النظرية و التركيز على التحصيل المعرفي كأهم المخرجات المطلوبة، إلى دخول العمل المخبرى ليأخذ حيزا لا بأس به لإكساب المتعلمين مهارات التجريب،ثم جاءت المناهج المعاصرة تركز بشكل واضح على الجانب المهاري كأحد النواتج الأساسية المطلوبة، وبالتالي ظهور تقويم الأداء ضمن مقولة كل ما هو جدير بالتعليم فهو جدير بالتقويم، وبما أن الجانب المهاري يحظى بنصيب مهم في الأوعية المنهجية الحديثة فقد أصبح تقويم هذه الاداءات مسالة أساسية في تقويم هذه المناهج و فيما يلي أهم التوجهات الحالية في تدريس مناهج العلوم:
المتعلم منتج للمعرفة :و ينطلق هذا التوجه من ضرورة تطوير دور كل من المعلم و المتعلم حيث يصبح المتعلم شريكا حقيقيا في العملية التعليمية و هو المنتج الحقيقي للمعرفة، و يتطور دور المعلم ليصبح مقدما للإرشادات الموّجهة إلى المتعلم شارحا تعليمات المهمة و أهم مؤشرات أدائها، كذلك يقوم المعلم بدور المشجع و المحفز و الموجه، و يقوم المعلم بدور المساعد لمن يحتاج المساعدة من المتعلمين، كما يتسم دور المعلم في تناول المناهج المطورة بالمرونة إذ ليس من الضروري أن ينجز كل التلاميذ المهمة بالمستوى نفسه.
ومن هذا المنطلق تركز المناهج الجديدة على قيام المتعلم بالدور الأكبر سواء على صعيد التوصل إلى المعارف الجديدة و ذلك من خلال الأنشطة المتعددة التي يوظف فيها المتعلم مهارات عمليات العلم الأساسية من مثل الملاحظة، المقارنة، التصنيف،الاستدلال، ثم مهارات أكثر رقيا (المتكاملة) مثل التفسير أو التجريب. و على صعيد آخر تتيح المناهج الجديدة للمتعلمين توظيف التجريب و بشكل ذاتي لاكتساب المهارات المطلوبة.
التعلم للإنتاج وحل المشكلات الحياتية:
و ينطلق هذا التوجه من النظرة القائلة بأن العلم يجب أن يكون للحياة و لحل المشكلات الحياتية حيث تركز المناهج الجديدة في بنائها ليس فقط على ما تعلمه الطالب و لكن و بشكل اكبر على ما يستطيع أن يقوم به الطالب، و هو ما أظهر و بقوة التركيز على الاداءات التي يقوم بها المتعلم و ليس فقط المخرجات المعرفية، ومن أميز أساليب التعلم التي تخدم هذا التوجه أسلوب التعلم بالمشروع، إذ يقوم المتعلم بحل مشكلة بيئية أو حياتية حقيقية يشعر به، و يقيس التعلم بالمشروع كيف يفكر المتعلم وكيف يؤدي الأعمال، كما يبرز قدرة المتعلم على استخدام مهارات عمليات العلم والتفكير النقدي لإتمام مهمة حل مشكلة حقيقية يجسدها في صورة سؤال بحثي، ثم يقوم بعد ذلك بفرض مجموعة فروض بقصد حل هذه المشكلة، ثم يتولى بعد ذلك تصميم التجارب المطلوبة لاختبار صحة هذه الفرضيات، و بعد توصله للصحيحة منها، يقوم بصياغة التقرير العلمي الذي يحتوي على خلاصات عمل الطالب خلال هذا المشروع.
ومن الأداءات المهمة التي ينفذها المتعلم إنشاء العروض التقديمية و بناء ملف الإنجاز الذي يجمع المتعلم بداخله مجموعة أعماله المميزة على مدار الفصل الدراسي.
المتعلم شريك في التعليم و التقييم:
و ينطلق هذا التوجه من ضرورة تنمية الكفايات الشخصية للمتعلم من خلال ممارسته لحقه في النقد و التقييم، كذلك فإن المتعلم الذي ينفذ اداء يسعى لتطوير هذا الأداء و تحسينه و ذلك من خلال تقييمه لعمله وقد تبين للباحثين أن للتقويم الذاتي تأثيرات ايجابية على تعلم التلاميذ من خلال تفكيرهم بعملهم و تنظيمهم له، و تحليله وضبطه. كما أن تقويم الأداء يعزز ثقة المتعلم بنفسه و يكسبه الموضوعية في الحكم. ومن هذه المنطلقات وفرت المناهج المطورة في العلوم فرصا للمتعلم لممارسة النقد الذاتي لعمله في جو من الطمأنينة التي يشيعها المعلم، و ذلك بإخباره المتعلمين إن الأحكام الموضوعية و الصادقة هي التي تنمي العمل و تنهض بمستوى الأداء.
وبعد الأخذ بعين الاعتبار لهذه التوجهات المعاصرة في بناء مناهج العلوم، فان الزملاء المعلمين مطلوب منهم مراعاة هذه التوجهات عند تناول هذه المناهج في الميادين التعليمية، إذ انه ليس بالضرورة أن ما كنا نمارسه هو الصواب بمطلقه و لكنه قد يكون صوابا لزمنه و لكن ليس لكل زمان، كما أن كل جديد ليس بمطلقه صوابا حتي يحقق النتائج المرجوة منه، ونأمل أن تتحقق النتائج الايجابية المرجوة لأبنائنا على أيدي المعلمين الذين لديهم القدرة على التكيف و الأخذ بكل ما هو جديد و صحيح و متطور.