تتعد المراهقة من أخطر المراحل التي يمر بها الإنسان ضمن أطواره المختلفه التي تتسم بالتجدد المستمر ، والترقي في معارج الصعود نحو الكمال الإنساني الرشيد ، ومكمن الخطر في هذه المرحلة التي تنتقل بالإنسان من الطفولة إلى الرشد هي التغيرات في مظاهر النمو المختلفة ( الجسمية والفسيولوجيه والعقلية والإجتماعية والإنفعالية والدينية والخلقية ) ولما يتعرض الإنسان فيها إلى صراعات متعدده داخلية وخارجية .
- مفهوم المراهقة :
ترجع كلمة المراهقة إلى الفعل العربي " راهق " الذي يعني الإقتراب من الشئ ، فراهق الغلام فهو مراهق أي قارب الإحتلام ، ورهقت الشئ رهقاً أي : قربت منه . والمعنى هنا يشير إلى الإقتراب من النضج والرشد .
أما المراهقة في علم النفس فتعني : الإقتراب من النضج العقلي والنفسي والإجتماعي ، ولكنه ليس النضج نفسه ؛ لإن الفرد في هذه المرحلة يبدأ بالنضج العقلي والجسمي والنفسي والإجتماعي ، ولكنه لا يصل إلى إكتمال النضج إلا بعد سنوات عديدة تصل إلى 10سنوات .
وهناك فرق بين المراهقة والبلوغ ، فالبلوغ يعني : بلوغ المراهق القدرة على الإنسال ، أي إكتمال الوظائف الجنسية عنده ، وذلك بنمو الغدد الجنسية ، وقدرتها على أداء وظيفتها .
أما المراهقة فتشير إلى التدرج نحو النضج الجسمي والعقلي والنفسي والإجتماعي . وعلى ذلك فالبلوغ ما هو إلا جانب واحد من جوانب المراهقة ؛ كما أنه من الناحية الزمنية يسبقها ، فهو أول دلائل دخول الطفل مرحلة المراهقة .
ويشير ذلك إلى حقيقة مهمة ، وهي أن النمو لا ينتقل من مرحلة إلى أخرى فجأة ، ولكنه تتدريجي ومستمر ومتصل ، فالمراهق لا يترك عالم الطفولة ويصبح مراهقاً بين عشية وضحاها ، ولكنه ينتقل إنتقالاً تدريجياً ويتخذ هذا الإنتقال شكل نمو وتغير في جسمه وعقله ووجدانه .
وجدير بالذكر أن وصول الفرد إلى النضج الجنسي لا يعني بالضرورة أنه قد وصل إلى مرحلة النضج العقلي ، وإنما عليه أن يتعلم الكثير والكثير ليصبح راشداً ناضجاً . ***
وللمراهقة والمراهق نموه المتفجر في عقله وفكره وجسمه وإدراكه وإنفعالاته ، مما يمكن أن نلخصه بأنه نوع من النمو البركاني ، حيث ينمو الجسم من الداخل فسيولوجياً وهرمونياً وكيماوياً وذهنياً وإنفعالياً ، ومن الخارج والداخل معاً عضوياً .
مراحل المراهقة :
والمدة الزمنية التي تسمى " مراهقة " تختلف من مجتمع إلى مجتمع آخر ، ففي بعض المجتمعات تكون قصيرة وفي بعضها الآخر تكون طويلة ، ولذلك قسمها العلماء إلى ثلاث مراحل ، هي :
1- مرحلة المراهقة الأولى (11- 14 عاماً ) وتتميز بتغيرات بيولوجية سريعة
2- مرحلة المراهقة الوسطى ( 14 - 18 عاماً ) وهي مرحلة إكتمال التغيرات البيولوجية ( الجسمية )
3- مرحلة المراهقة المتأخرة ( 18 -21 عاماً ) حيث يصبح الشاب أو الفتاة إنساناً راشداً بالمظهر والتصرفات .
ويتضح من هذا التقسيم أن مرحلة المراهقة تمتد لتشمل أكثر من عشرة أعوام من عمر الفرد .
وبوجة عام تطرأ علامات وتحولات بيولوجية ( جسميه ) على المراهق إشارة لبداية المرحلة عنده وهي معروفة ومتمثلة في : النمو الجسدي - النضوج الجنسي - التغير النفسي .
فالتغيرات النفسية وما يصاحبها من تحولات هرمونية وجسمية لها تأثيراً قوياً على الصورة الذاتية والمزاج والعلاقات الإجتماعية ويمكن أن تكون لها ردة فعل معقدة تكون عبارة عن مزيج من الشعور بالمفاجأة والخوف والإنزعاج بل والإبتهاج أحياناً أي مزيج من المشاعر السلبية والإيجابية
يقول الدكتور عبد الرحمن العيسوي : إن المراهقة تختلف من فرد إلى آخر ، ومن بيئة جغرافية إلى أخرى ، ومن سلالة إلى أخرى ، كذلك تختلف الأنماط الحضارية التي يتربى في وسطها المراهق ، فهي في المجتمع البدائي تختلف عنها في المجتمع المتحضر ، وكذلك تختلف في مجتمع المدينة عنها في المجتمع الريفي ، كما تختلف من المجتمع المتزمت الذي يفرض كثيراً من القيود والأغلال على نشاط المراهق ، عنها في المجتمع الحر الذي يتيح للمراهق فرص العمل والنشاط ، وفرص إشباع الحاجات والدوافع المختلفة .
كذلك فإن مرحلة المراهقة ليست مستقلة بذاتها إستقلالاً تاماً ، وإنما هي تتأثر بما مر به الطفل من خبرات في المرحلة السابقة ، والنمو علمية مستمرة ومتصلة . ***
ولإن النمو الجنسي الذي يحدث في المراهقة ليس من شأنه ان يؤدي بالضرورة إلى حدوث ازمات المراهقين ، فمشاكل المراهقة في المجتمعات الغربية أكثر بكثير من نظيرتها في المجتمعات العربية والإسلامية .
وهناك أشكال مختلفة للمراهقة منه : ***
1- مراهقة سوية خالية من المشكلات والصعوبات .
2- مراهقة إنسحابية ، حيث ينسحب المراهق من مجتمع الأسرة ، ومن مجتمع الأقران ، ويفضل الإنعزال والإنفراد بنفسه حيث يتأمل ذاته ومشكلاته .
3- مراهقة عدوانية ، حيث يتسم سلوك المراهق فيها بالعدوان على نفسه وعلى غيره من الناس والأشياء .والصراع لدى المراهق ينشأ من التغيرات البيولوجية ، الجسدية والنفسية التي تطرأ عليه في هذه المرحلة ، فجسدياً يشعر بنمو سريع في أعضاء جسمه قد يسبب قلقاً وإرتباكاً ، وينتج عنه إحساس بالخمول والكسل والتراخي كذلك تؤدي سرعة النمو إلى جعل المهارات الحركية عند المراهق غير دقيقة ، وقد يعتري المراهق حالات من اليأس والحزن والألم التي لا يعرف لها سبباً ، ونفسياً يبدأ بالتحرر من سلطة الوالدين ليشعر بالإستقلالية والإعتماد على النفس وبناء المسئولية الإجتماعية ، وهو في الوقت نفسه لا يستطيع إن يبتعد عن الوالدين لإنهم مصدر الأمن والطمأنينة ومنبع الجانب المادي لدية ، وهذا التعارض بين الحاجة إلى الإستقلال والتحرر والحاجة إلى الإعتماد على الوالدين ، وعدم فهم الأهل لطبيعة المرحلة وكيفية التعامل مع سلوكيات المراهق ، وهذه التغيرات تجعل المراهق طريد المجتمع الكبار والصغار ، إذا تصرف كطفل سخر منه الكبار ، وإذا تصرف كرجل إنتقده الرجال ، مما يؤدي إلى خلخلة التوازن النفسي للمراهق ، ويزيد من حدة المرحلة ومشاكلها .
وفي بحث ميداني ولقاءات متعددة مع بعض المراهقي وآبائهم ، أجرته الباحثة عزة تهامي مهدي ( الحاصلة على الماجستير في مجال الإرشاد النفسي ) تبين ان أهم ما يعاني الآباء منه خلال هذه المرحلة مع أبنائهم :
- الخوف الزائد على الأبناء من اصدقاء السوء .
- عدم قدرتهم على التميز بين الخطأ والصواب بإعتبارهم قليلو الخبرة في الحياة ومتهورون .
- أنهم متمردون ويرفضون اي نوع من الوصايا او حتى النصح
- أنهم يطالبون بمزيد من الحرية والإستقلال .
- أنهم يعيشون في عالمهم الخاص ، ويحاولون الإنفصال عن الآباء بشتى الطرق . ***
- أبرز المشكلات والتحديات السلوكية في حياة المراهق :
1- الصراع الداخلي : حيث يعاني المراهق من وجود عدة صراعات داخلية ، منها : صراع بين الإستقلال عن الأسرة والإعتماد عليها ، وصراع بين مخلفات الطفولة ومتطلبات الرجولة والأنوثة ، وصراعات بين طموحات المراهق الزائدة وبين تقصيره الواضح في إلتزاماته ، وصراع بين غرائزه الداخلية وبين التقاليد الإجتماعية ، والصراع الديني بين ما تعلمه من شعائر ومبادئ ومسلمات وهو صغير وبين تفكيره الناقد الجديد وفلسفته الخاصة في الحياة ، وصراعة الثقافي بين جيله الذي يعيش فيه بما له من آراء وأفكار الجيل السابق . ***
2- الإغتراب والتمرد : فالمراهق يشكو من أن والديه لا يفهمانه ، ولذلك يحاول الإنسلاخ عن مواقف وثوابت ورغبات الوالدين كوسيلة لتاكيد وإثبات تفرده وتمايزه ، وهذا يستلزم معارضة سلطة الأهل ؛ لإنه يعتبر أن أن أي سلطة فوقية او أي توجيه إنما هو إستخفاف لا يطاق بقدراته العقلية التي اصبحت موازية جوهرياً لقدرات الراشد ، وإستهانة بالروح النقدية المتيقظة لدية ، والتي تدفعه إلى تمحيص الأمور كافة ، وفقاً لمقاييس المنطق ، وبالتالي تظهر لديه سلوكيات التمرد والمكابرة والعناد والتعصب والعدوانيه . ***
3- الخجل والإنطواء : فالتدليل الزائد والقسوة الزائدة يؤديان إلى شعور المراهق بالإعتماد على الآخرين في حل مشكلاته ، لكن طبيعة المرحلة تتطلب منه أن يستقل عن الأسرة ويعتمد على نفسه ، فتزداد حدة الصراع لدية ، ويلجأ إلى الإنسحاب من العالم الإجتماعي والإنطواء والخجل .
4- السلوك المزعج : والذي يسببه رغبة المراهق في تحقيق مقاصده الخاصة دون إعتبار للمصلحة العامة ، وبالتالي قد يصرخ .. يشتم .. يسرق .. يركل الصغار ويتصارع مع الكبار .. يتلف الممتلكات يجادل في أمور تافهة يتورط في المشاكل .. يخرق حق الإستئذان ولا يهتم بمشاعر غيره .
5- العصبية وحدة الطباع : فالمراهق يتصرف من خلال عصبيته وعناده يريد أن يحقق مطالبة بالقوة والعنف الزائد ويكون متوتراً بشكل يسببب إزعاجاً كبيراً للمحيطين به .وتجدر الإشارة إلى أن كثيراً من الدراسات العلمية تشير إلى وجود علاقة قوية بين وظيفة الهرمونات الجنسية والتفاعل العاطفي عند المراهقين ، بمعنى أن المستويات الهرمونية المرتفعة خلال هذه المرحلة تؤدي إلى تفاعلات مزاجية كبيرة على شكل غضب وإثارة وحدة طبع عند الذكور ، وغضب وإكتئاب عند الإناث
ويوضح الدكتور احمد المجدوب الخبير بالمركز القومي للبحوث الإجتماعية والجنائية مظاهر وخصائص مرحلة المراهقة فيقول : هي الغرق في الخيالات وقراءة القصص الجنسيه والروايات البوليسيه وقصص العنف والإجرام كما يميل إلى أحلام اليقظة ، والحب من اول نظرة كذلك يمتاز المراهق بحب المغامرات ، وإرتكاب الأخطار ، والميل إلى التقليد كما يكون عرضة للإصابة بامراض النموا مثل : فقر الدم ، وتقوس الظهر ، وقصر النظر ..
وفي حديثه مع موقع مسلم يذكر الدكتور المجدوب من مظاهر وسلوكيات الفتاة المراهقة : " الإندفاع ، ومحاولة إثبات الذات ، والخجل من التغيرات التي حدثت في شكلها ، وجنوحها لتقليد أمها في سلوكياتها ، وتذبذب وتردد عواطفها ، فهي تغضب بسرعة وتصفو بسرعة ، وتميل لتكوين صداقات مع الجنس الآخر ، وشعورها بالقلق والرهبة عند حدوث أول دورة من دورة الطمث ، فهي لا تستطيع أن تناقش ما تحس به من مشكلات مع أفراد الأسرة كما أنها لا تفهم طبيعة هذه العملية .
ويشير الدكتور المجذوب إلى أن هناك بعض المشاكل التي تظهر في مرحلة المراهقة مثل : الإنحرافات الجنسية ، والميل الجنسي لأفراد من نفس الجنس ، والجنوح ، وعدم التوافق مع البيئة وكذلك إنحرافات الأحداث من اعتداء وسرقة وهروب ، موضحاً أن هذه الإنحرافات تحدث نتيجة حرمان المراهق في المنزل والمدرسة من العطف والحنان والرعاية والإشراف ، وعدم إشباع رغباته ، وأيضاً لضعف التوجيه الديني .
ويوضح المجذوب أن مرحلة المراهقة بخصائصها ومعطياتها هي أخطر منعطف يمر به الشباب ، واكبر منزلق يمكن ان تزل فيه قدمه ؛ إذاً عدم التوجيه والعناية ، مشيراً إلى أن أبرز المخاطر التي يعيشها المراهقون في تلك المرحلة هي : هي فقدان الهوية والإنتماء ، وإفتقاد الهدف الذي يسعون إليه ، وتناقض القيم التي يعيشونها ، فضلاً عن مشكلة الفراغ .
كما يوضح أن الدراسات التي اجريت على الشواذ جنسياً اظهرت دور الأب كان معدوماً في الأسرة وأن الأم كانت تقوم بالدورين معاً وأنهم عند بلوغهم كانوا يميلون إلى مخالطة النساء ( أخواتهم .. أمهاتهم...) أكثر من الرجال وهو ما كان له أبلغ الأثر في شذوذه الجنسي .***
- طرق علاج المشاكل التي يمر بها المراهق :
قد اتفق خبراء الإجتماع وعلماء النفس والتربية على أهمية إشراك المراهق في المناقشات العلمية التي تتناول علاج مشكلاته ، وتعويده على طرح مشكلاته ومناقشتها مع الكبار في ثقة وصراحة ، وكذا إحاطته علماً بالأمور الجنسية عن طريق التدريس العلمي الموضوعي ، حتى لا يقع فريسة للجهل والضياع أو الإغراء .
كما أوصوا بأهمية تشجيع النشاط الترويحي الموجه والقيام بالرحلات والإشتراك في مناقشات الساحات الشعبية والأندية ، كما يجب توجيههم نحو العمل بمعسكرات الكشافة ، والمشاركة في مشروعات الخدمة العامة والعمل الصيفي .. الخ
كما أكدت الدراسات العلمية أن أكثر من 80% من مشكلات المراهقين في عالمنا العربي ناتجة مباشرة من محاولة أولياء الأمور تسيير اولادهم بموجب آرائهم وعاداتهم وتقاليد مجتمعاتهم ومن ثم يحجم الأبناء عن الحوار مع أهلهم لأنهم يعتقدون ان الأباء إما أنهم لا يهمهم ان يعرفوا مشكلاتهم ، أو أنهم لا يستطيعون فهمها او حلها .
وقد أجمعت الإتجاهات الحديثة في دراسة طب النفس أن الأذن المصغية في تلك السن هي الحل لمشكلاتها ، كما أن إيجاد التوازن بين الإعتماد على النفس والخروج من زي النصح والتوجيه بالأمر ، إلي زي الصداقة والتواصي وتبادل الخواطر ، وبناء جسر من الصداقة لنقل الخبرات بلغة الصديق لا بلغة ولي الأمر ، هو السبيل الأمثل لتكوين علاقة حميمية بين الآباء وأبنائهم في سن المراهقة .***
.